في الوقت الذي كان فيه وزراء الحكومة الفلسطينية الجديدة يؤدون اليمين الدستورية، في بث نقلته محطات التلفزة، وسط اهتمام شعبي، كان جمهور صغير يحتشد في إحدى القاعات ليستمع لفنانة فلسطينية شابة، تعزف على البيانو، مقطوعات كلاسيكية.
ولم يكن الحضور جميعهم من الفلسطينيين، فنحو نصفهم من المتضامنين الأجانب الشبان الذين يصلون إلى الأراضي المحتلة للمشاركة في نشاطات احتجاجية على الاستيطان واستمرار بناء الجدار الفاصل. وعندما جلست الفنانة دينا الشلة، أمام البيانو، صفق لها الجمهور بحرارة، وردت على هذه التحية، بتواضع ووقار.
ولدت هذه الفنانة الشابة في يوغسلافيا عام 1984، وبدأت تعلم البيانو في عمر السابعة عندما التحقت بمعهد بلغراد للموسيقى. انتقلت مع عائلتها لمدينة رام الله في العام 1995 والتحقت بالمعهد الوطني للموسيقى. تابعت دراستها وحصلت على بكالوريوس في عزف البيانو من جامعة لورانس الأميركية، وهناك قدمت عدداً من الأمسيات الفردية وعزفت مع عدة فرق أوركسترا.
وتدرك الشلة أن الاحتلال يلقي بظلاله على كل شيء في فلسطين، ومن ذلك الموسيقى، وربما لو كانت الظروف مختلفة لكان عدد الجمهور اكبر، ولحظيت باهتمام وشهرة، بسبب موهبتها، وهو ما حققته جزئيا أثناء دراستها في أميركا.
وقدمت الشلة لجمهورها قطعة من تأليفها بعنوان «خلال الصوت» بتأثر شديد وحرفية عالية، وعزفت أيضا مقطوعات من عصر النهضة، وأخرى لموزارت (1756 ـ 1791)، وشوبان (1810 ـ 1849)، وكلود ديبوسي (1862 ـ 1918)، وفيليب جلاس (1937 ـ ).
والحفلات التي قدمتها الشلة في مدن فلسطينية مختلفة، مجانية، مدعومة من مؤسسة عبد المحسن القطان، هي رغم مجانيتها، يبقى الإقبال عليها أدنى من المتوقع.
وفي بعض عروض لأفلام، لا يحضر أحيانا إلا شخص واحد، ويعزى هذا العزوف الجماهيري إلى الوضع القاسي بسبب وجود الاحتلال، والارباكات السياسية التي تحدثها الخلافات بين الفرقاء الفلسطينيين التي لا يدرك المواطن في أحيان كثيرة سبب خلافاتهم، بينما سيف الاحتلال مسلط عليه في حياته اليومية وفي تنقلاته وعمله.
ويرى بعض المواظبين على حضور هذه النشاطات أنها مهمة جدا، ومن بينهم جانيت، 60 عاما، التي تقول «يمكن أن نتحرر من الاحتلال فقط عندما نجد هذه القاعة مليئة بالجمهور، الوعي هو أساس أي انتصار على العدو». وتضيف «لو كان شعبنا على قدر كاف من الوعي لما ترك لحفنة من السياسيين أصحاب المصالح والجهلة يتحكمون في مصيره».
وتلاحظ رانيا، وهي إحدى المشرفات على تنظيم مثل هذه النشاطات، الأزمة بشكل مختلف، مشيرة إلى انه حتى الفئات المثقفة لا تحضر رغم ان من المهم، بالنسبة لها، التواصل مع النشاطات الفنية والأفلام التي تمثل ما وصلت إليه صناعة السينما في بلدان مثل كوريا واليابان وفرنسا والكاميرون وغيرها.
وتدرك بعض الأوساط السياسية أهمية ما تسميه النشاطات الترفيهية في حياة الشعب الفلسطيني، مثل الدكتورة مريم صالح، وزيرة شؤون المرأة السابقة، التي دعت إلى الاهتمام بالنساء الفلسطينيات وتأسيس نواد خاصة لهن في مختلف المناطق الفلسطينية تكون مجهزة بوسائل الترفيه مثل المسابح والملاعب. ووسط كل ذلك، وفي داخل قاعة حديثة مغلقة ومجهزة بأموال الدول المانحة، تتحرك أصابع دينا الشلة على البيانو احتراما لمن يحضر من الجمهور، وبين كل مقطوعة تقف لتنحني احتراما وتقديرا.
وعلى الاغلب فإن العديد من الحضور تشغله ايضا الطريقة التي سيعود بها الى المنزل، في ظل اجراءات الاحتلال الصعبة والمتنوعة والقاسية.