السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
فـــــــن الــــــســــــــــــــرور
من أعظم النعم سرور القلب و استقراره و هدوءه فإن في سروره ثبات الذهن و جود الانتاج و ابتهاج النفس و قالوا: ان السرور فن يدرس فمن عرف كيف يجلبه يحصل عليه و يحظى به استفاد من مباهج الحياة و مسار العيش و النعم التي من بين يديه و من خلفه .
و الأصل و الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث و لا ينزعج للتوافه و بحسب قوة القلب و صفاته تشرق النفس..
ان خور الطبيعة و ضعف المقاومة و جزع النفس رواحل للهموم و الغموم و الأحزان فمن عود نفسه التصبر و التجلد هانت عليه المزعجات و خفت عليه الأزمات.
إذا اعتاد الفتى خوض المـــنايـا *** فأهون ما تمر به الوحــــول
و من أعداء السرور ضيق الأفق و ضحالة النظرة و الاهتمام بالنفس و نسيان العالم و ما فيه و الله قد وصف أعداءه بأنهم (أهمتهم أنفسهم ) فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم فلا يفكرون في غيرهم و لا يعيشون لسواهم و لا يهتمون للآخرين
إن علي و عليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا و نبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا و غمومنا و أحزاننا فنكسب أمرين :
إسعاد أنفسنا
و
إسعاد الآخرين
من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك و تعصمه فلا يتفلت و لا يهرب و لا يطيش فإنك إن تركت تفكيرك و شأنه جمح و طفح و أعاد عليك ملف الأحزان و قرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك .
ان التفكير اذا شرد اعاد الماضي الجريح و المستقبل المخيف فزلزل أركانك و هز كيانك و احرق مشاعرك فأخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد (و توكل على الحي الذي لا يموت)..
ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها و أن تنزلها منزلها فهي لهو و لا تستحق منك إلا الإعراض و الصدود لأنها أم الهجر و مرضعة الفجائع و جالبة الكوارث فمن هذه صفتها كيف يهتم بها و يحزن على ما فات منها ..
صفوها كدر و برقها خلب و مواعيدها سراب بقية مولدها مفقود و سيدها محسود و منعمها مهدد و عاشقها مقتول بسيف غدرها..
أبني أبينا نحــــــــن أهل منازل***أبدا غراب البــــــــين فيها ينعق
نبكي على الدنـــــيا و ما من معشر***جمــــــــــعتهم الدنـــــــيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسر الألي***كنزوا الكنوز فلا بقين و لا بقوا
من كل من ضــــــــاق الفضاء بعيشه***حتى ثوى فحـــــــــــــواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا***أن الكـــــــــلام لهم حلال مطلق
و في الحديث < إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم >
و في فن الآداب : إنما السرور باصطناعه و اجتلاب بسمته و اقتضاض أسبابه و تكلف بوادره حتى يكون طبعا .
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس و التذمر و التبرم .
حكم المـــنية في البرية جــــــاري***ما هذه الدنـــــيا بدار قـــرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبرا***ألفيته خبرا من الأخبار
طبعت على كـــــــدر و انت تريدها***صفوا من الاقــــذار و الاكدار
ومكلف الايام ضــــــــد طــــباعها***متطـــلب في الماء جذوة نار
و اذا رجـــــوت المســــتحيل فانـــما*** تبني الرجاء على شــــفير هار
و العـــــيش نـــوم و المـــــنية يقظه***و المرء بينهما خيال ســــاري
فاقضــوا مآربكم عــجالا انمـــــــا***اعـــماركم سفر من الاســفار
و تركضوا خيل الشباب و بادروا***ان تسترد فانـــــهن عــــــوار
ليس الزمان و إن حرصت مسالما***طبع الزمان عداوة الاحــــــرار
و الحقيقة التي لا ريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن لان الحياة خلقت هكذا(لقد خلقنا الإنسان في كبد),(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)
و لكن المقصود أن تخفف من حزنك و همك و غمك أما قطع الحزن بالكلية فهذا في جنات النعيم و لذلك يقول المنعمون في الجنة (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)
و هذا دليل على انه لم يذهب عنه الا هناك كما ان كل الغل لا يذهب الا بالجنة ( و نزعنا ما في صدورهم من غل), فمن عرف حالة الدنيا و صفها عذرها على صدورها و جفائها و غدرها و علم ان طبعها و خلقها ووصفها.
حلفت لنا أن لا تخــــــن عهودنا***فكأنما حلفت لنا أن لا تفـــــــــي
فإذا كان الحال ما وصفنا و الأمر ما ذكرنا فحري بالأريب النابه أن لا يعينها على نفسه بالاستسلام للكدر و الهم و الغم و الحزن بل يدافع هذه المنغصات بكل ما أوتى من قوه..
و أخيرا
لا تحزن..
أتعرف لماذا ؟؟
لأنك مسلم آمنت بالله و برسله و ملائكته و اليوم الآخر و بالقضاء خيره و شره و أولئك كفروا بالرب و كذبوا الرسل و اختلفوا في الكتاب و جحدوا اليوم الآخر و ألحدو في القضاء و القدر..
قال الشاعر:
و لرب نازلة يضيق بها الفتى***ذرعا و عند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها***فرجت و كان يظنها لا تفرج..